الصفحة الرئيسية  أخبار وطنية

أخبار وطنية هذه وصية الاعلامي الراحل الهاشمي الطرودي الى السبسي

نشر في  09 نوفمبر 2015  (09:23)

كشف الخبير الاقتصادي شيحة قحة في نص نشره على صفحته بالفايسبوك، أن الاعلامي الراحل الهاشمي الطرودي كان يسعى منذ أيام الى مهاتفة الباجي قائد السبسي حتى ينصحه ويذكره بالقول ان عليه أن يخرج من الباب الكبير كما دخل منه، الا أن المرحوم لم يستطع ابلاغ الوصية.
وجاء نص شيحة قحة كالاتي :
 
"مات الشيخ... رحم الله الشيخ
شيحة قحّة
 
رحم الله الشيخ. رحم الله الهاشمي الطرودي رحمة واسعة ورزق اهله وصحبه وقرّاءه جميل الصبر... أنا حزين لفراقك يا شيخ. أنا حزين لأرملتك حوريّة وهي التي، منذ أول الزمن، كانت لك ولفكرك ولمسيرتك حريصة، وفيّة... رحمك الله يا شيخ، يا صاحبي. أعلم أنّها هي الدنيا وكذلك هي الأيّام تجري. أعلم أنّ لكلّ عمر نهاية وهذه الحياة سحاب يسري. أعلم أن سينهي يوما كلّ من في الأرض...
خلال الأيّام تجري، يصادفك من الناس من امتلأ قلبه بالإنسان حبّا، من عاش وكاّنه في مهمّة. التقيت بالشيخ منذ سنين. التقيته منذ عقدين أو أكثر أو أقلّ. معا وكثيرا من الخلّ، كنّا نلتقي، في مقهى لونيفير، وسط المدينة، كلّ يوم سبت، عشيّة. كنّا في صخب. نتكلّم على الثورة. نسبّ الحاكم ومن التفّ حوله. نناصر القضيّة الفلسطينيّة والشيوعيّة... أمّا هو فتراه في بعض صمت، في سكون، يقول أحيانا بعض القول ثم يعود ينظر من حول. هو رجل معتدل الطرودي. له رصانة وتعقّل. دوما معه محفظته وقد امتلأت محفظته كتبا وورقا. هو رجل مثقّف. له علم ودراية بما يجري. له اطلاع على ما يحدث من أمر. تسأله فيجيبك وفي صوته هدوء وبعض حشرجة. تنظر في عينيه فترى في عينيه وداعة وحشمة... أحببت الرجل والجلوس اليه وأفرح كلّما ألقاه في لونيفير، يوم سبت. معه وصحبي، أقضي ساعة حلوة وأنتفع بما يقوله من قول... ثم غابت عنّي أخباره لسنين عدّة وعلمت في ما بعد أنّه قضّى في السجن سنين عدّة...
ثم كان أن شاركت في هيئة تحرير جريدة المغرب لمّا بعثت من جديد وكان لي وايّاه وعديد الاخوة جلسات عمل مطوّلة. في تلك الجلسات، كان لي الشرف أن نظرت في الرجل وهو يعمل، أن التقيته، كلّ يوم، صباحا، عشيّة... كلّ صباح مع عمر صحابو وزياد كريشان وغيرهما، كنّا نلتقي فننظر معا في ما جاء في العدد من خير وشرّ وفي ما يجب اعداده في عدد الغد... في تلك الأيّام، بعد الثورة، كان الشأن الوطني هو الأهمّ، هو المهيمن. كلّ صباح، يقول الأستاذ الطرودي ما يرى من رأي ونناقش معا ما يجب فيه النظر والقول... كان للطرودي علاقات متينة بأطراف عدّة. هو يعرف من في الساحة له قول وفصل. كان على علم بما يجري في الكواليس من أمر. لمّا ينتهي اجتماع التحرير، يمشي الشيخ الى مكتبه وفيه يلتقي بمن معه من صحفيين ومعهم يقع التخطيط لما يلزم. كان الصحفيون حوله في حلقة مكتملة، كلّ يقول رأيه، حرّا...
كان يؤمن بحرّية الصحفي ويحترم ما يأتيه من توجّه. يساعد المبتدئين منهم ويأخذ بيد هذا والآخر دوما. كان يستمع لما يقولون وفي ما يقولون أحيانا بداهة ولا نفع. كان يصلح ما جاء في مقالاتهم من خطىء. يتابع الواحد والآخر دون غيظ أو كلل. الشيخ رجل صبور، مهذّب. لا يقول كلاما جارحا ولا تسمع له صوتا... مرّة، أذكر، كتبت صحفيّة ما لم يرق لي ودعوتها الى اعادة القول وتغيير التوجّه. علم الشيخ بما حصل من خلاف في الرأي. أدرك أنّي لا أعلم فنّ الصحافة فقال لي وكلّه لين ولطف "هذا رأيها يا أخي... فأسع الى الاقناع ان شئت".
في الأشهر الأخيرة، أصاب الرجل مرض عضال. هو السرطان الخبيث يضرب من شاء وحيث شاء، دون اعلام مسبّق. غالب الشيخ المرض أشهرا وهاتفته مرّات أسأله عن حاله وأحواله وفي كلّ مرّة، كعادته، كان يجيبنبي وفي صوته هدوء وصبر، أن هو بخير، أن هو في تحسّن. لا يشتكي الطرودي أبدا. لا يقنط أيضا. دوما، في لطف وتربيّة، يسأل عن الجريدة وان هي تلقى في السوق حظّا. يسأل عن الصحفيين وان هم بخير.
أول من أعلمني بما حصل، صاحبي وصاحبه خميس بن هنيّة وقد قضّيا معا سنوات في سجن برج الرومي. قال خميس "توفّي اليوم الشيخ" وأضاف "هل تدري ما قال لي البارحة وكان في صوته ضعف وفي كلامه تقطّع... قال الشيخ أنّه يسعى منذ أيّام الى مهاتفة الباجي قايد السبسي حتّى ينصحه ويذكّره بالقول "ان عليك سي الباجي أن تخرج من الباب الكبير كما دخلت منه"". لم يستطع الشيخ ابلاغ الوصيّة وها أنا أعيدها اليوم من بعد...
رحم الله الشيخ الطرودي وأسكنه فردوس الجنّة ووهب لزوجته ولأهله جميل الصبر... الى اللقاء يا صديقي ولسوف نلتقي، ولا شكّ، يوما في الجنّة."